دور فيتامين D في الهرمون

دور فيتامين D في الهرمون

غالبا ما يرتبط اسم فيتامين د بالكالسيوم والعظام في أذهاننا. ولكن وظيفة هذا الفيتامين لا تقتصر على عملية امتصاص الكالسيوم وتقوية العظام. وفي الواقع، ناقشت العديد من الدراسات العلمية دور هذا الفيتامين في مختلف خلايا وأعضاء الجسم، فضلاً عن تأثيراته الواسعة على أمراض مختلفة مثل السرطان والسكري والزهايمر والخرف والتوحد ومرض باركنسون والتصلب المتعدد  MS.

وبحسب تقرير اللجنة الإعلامية والتنسيق التابعة لمؤسسة المصطفى(ص) للعلوم والتكنولوجيا، تشرح هذه المقالة دور فيتامين د في آليات الجسم المختلفة، وخاصة في الدماغ والإدراك، وتشجعك على القيام بذلك إذا كنت قد أجلت فحص الدم وفحص مستويات فيتامين د لديك حتى الآن. لا تتردد بعد الآن؛ لأن نقص هذا الفيتامين له آثار كبيرة على صحة الإنسان في مختلف الأعمار.

 

الحكاية تتجاوز العظام والكالسيوم

فيتامين د يزيد من امتصاص الكالسيوم في الأمعاء. ونتيجة لذلك، فإن له تأثيرا خطيرا على نمو وإصلاح وصيانة قوة عظامنا، وبدون كمية كافية من فيتامين د، يمكن أن تصبح العظام رقيقة وهشة. ويعتبر الحصول على كمية كافية من فيتامين د أمرا ضروريا أيضا عند الأطفال للوقاية من هشاشة العظام وعند البالغين للحماية من هشاشة العظام. ونظرا للدور المهم الذي يلعبه الكالسيوم في عملية انقباض العضلات، فإن نقص فيتامين د وما ينتج عنه من انخفاض في امتصاص الكالسيوم يؤدي إلى خلل في التنظيم العصبي العضلي، مما يؤدي إلى تقلصات وتشنجات عضلية لا إرادية. ولكن قصة هذا الفيتامين لا تنتهي هنا.

يُشار إلى فيتامين د أحيانا باسم الهرمون، وهذا يعني أن هذا الجزيء يمكن أن يعمل بمثابة المرسل في الجسم، وعن طريق الارتباط بمستقبلات محددة في خلايا الجسم المختلفة، يبدأ بعمليات أخرى. على سبيل المثال، يلعب فيتامين د دورا في تقليل الالتهابات وتحقيق التوازن بين العمليات مثل نمو الخلايا، واستقلاب الجلوكوز، ووظيفة الجهاز المناعي.

 

فيتامين د يلعب دورا رئيسيا في الدماغ والإدراك

وقد ناقشت دراسات مختلفة دور فيتامين د في الوظائف الإدراكية للإنسان. يشير الإدراك إلى العمليات الدماغية المرتبطة بالمعرفة والتعلم والفهم، فضلاً عن القدرة على تطوير هذه الوظائف. وأظهرت هذه الدراسات أن فيتامين د يلعب دورا في سرعة معالجة المعلومات في الدماغ، والتعلم اللفظي والذاكرة، والانتباه، وكذلك الوظائف الإدراكية العامة.

يؤدي نقص فيتامين د إلى تسريع التدهور الإدراكي المرتبط بالعمر. يمكن أن يساعد هذا الفيتامين على تحسين الذاكرة عن طريق زيادة تركيز الناقل العصبي المسمى أستيل كولين، والذي يلعب دورا في ذاكرتنا وتعلمنا وانتباهنا. يمكن لفيتامين د أيضا أن يحمي أنظمتنا العصبية والإدراكية من خلال إزالة نوع من الأميلويد في الدماغ وهو السمة المميزة لمرض الزهايمر. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيزات العالية من هذا الفيتامين، سواء أثناء حمل الأم أو في وقت مبكر من حياة الطفل، يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالتوحد، وهو نوع من اضطرابات نمو الدماغ.

تشير دراسات مختلفة إلى وجود علاقة بين فيتامين د والاكتئاب. أظهرت دراسة أجريت عام 2017 أن الاكتئاب ناجم عن اختلال التوازن بين المسارات المثيرة والمثبطة في الدماغ. ومن الجدير بالذكر أن الكالسيوم يعد عنصرا أساسيا في عمل المسارات العصبية. بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه فيتامين د في امتصاص الكالسيوم، فإن هذا الفيتامين يمنع ارتفاع مستويات الكالسيوم في الخلايا العصبية، والتي تسبب خللا في المسارات العصبية ويمكن أن تلعب دورا في الاكتئاب.

في مرض باركنسون، يتم تدمير الخلايا العصبية التي تتحكم في حركات الجسم. ومن خلال تدمير هذه الخلايا، المسؤولة عن إنتاج الناقل العصبي الذي يسمى الدوبامين، مما يؤدي الى إنخفاض مستويات الدوبامين في الدماغ. لذلك يمكن أن يساهم فيتامين د أيضا في علاج مرض باركنسون من خلال تأثيره على مسارات الدوبامين في الدماغ.

 

فيتامين د له دور مؤثر في مرض التصلب العصبي المتعدد  MS

الخلية العصبية هي نوع من الطرق لنقل الرسائل العصبية. لتسريع هذا الانتقال، يتم تغطية معظم أجزاء الخلية العصبية بطبقة عازلة تسمى الميالين. في مرض التصلب المتعدد(MS)، وهو مرض مناعي ذاتي، يهاجم الجهاز المناعي في الجسم، الميالين المحيط بالخلايا العصبية ويدمره. ونتيجة لذلك، يتباطأ نقل الإشارات العصبية بشكل كبير ويسبب اضطرابات مختلفة في الجسم. يعد ضعف الإدراك أحد الأعراض الشائعة لدى مرضى التصلب المتعدد. وأظهرت الأبحاث أن نقص فيتامين د يمكن أن يساهم أيضا في مسار مرض التصلب العصبي المتعدد من خلال التأثير على الوظائف الإدراكية للدماغ. ومن ناحية أخرى، يمكن لفيتامين د، من خلال التأثير على تكاثر وتمايز الخلايا الجذعية العصبية، أن يزيد من إنتاج الخلايا المسماة بالخلايا القليلة التغصن، والتي تعد المصدر الرئيسي لإنتاج الميالين.

حتى الآن لا يوجد علاج نهائي للتصلب المتعدد (MS)، ولكن من خلال فهم العوامل التي تؤثر عليه، يمكن تقليل احتمالية الإصابة به، أو في حالة إصابتك به، يمكن إبطاء تقدم المرض.

وتركز الدكتورة سامية خوري، وهي باحثة لبنانية وأستاذة في جامعة بيروت، على العوامل المؤثرة على مرض التصلب العصبي المتعدد (MS) وآلياته التنظيمية منذ سنوات عديدة. وفي عام 2017، أظهرت هي وفريقها في دراسة أن تناول دورة مدتها ثلاثة أشهر من فيتامين د لدى المصابين بالتصلب المتعدد (MS) الذين يعانون من نقص هذا الفيتامين يؤدي إلى تحسن في الوظائف الإدراكية. ونتيجة لذلك، فإنه يمكن أن يساعد بشكل كبير في تحسين كيفية حياتهم.

في عام 2023، تم اختيار الدكتورة خوري لجائزة المصطفى(ص) في دورتها الخامسة لأبحاثها المؤثرة في تحديد العوامل المؤثرة على مرض التصلب العصبي المتعدد (MS) وآلياته التنظيمية والتحملية. وتقام هذه الجائزة كل عامين لتقديم وتكريم الإنجازات العلمية الأكثر تميزا للعلماء من العالم الإسلامي.

ويجب الإنتباه والوعي بالدور الواسع والآثار المترتبة على فيتامين د، بحيث لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى استهلاكه بشكل تعسفي. ولا ننسى أن فيتامين د هو فيتامين قابل للذوبان في الدهون، ويجب تناوله في حالة نقصه وتحت إشراف الطبيب. لأن تناول كميات كبيرة منه قد يسبب مضاعفات ومشاكل خطيرة في الجسم.